فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة القيامة:
مكية.
وآياتها 40.
نزلت بعد القارعة.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

.[القيامة: الآيات 1- 6]

{لا أُقْسِمُ بِيوْمِ الْقِيامةِ (1) ولا أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامةِ (2) أيحسب الإنسان ألّنْ نجْمع عظامه (3) بلى قادِرِين على أنْ نُسوِّي بنانهُ (4) بلْ يريد الإنسان ليفجر أمامهُ (5) يسْئلُ أيّان يوْمُ الْقِيامةِ (6)}.
إدخال (لا) النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم. قال امرؤ القيس:
لا وأبيك أبنة العامرىّ ** لا يدّعى القوم أنّى أفرّ

وقال غوثة بن سلمى:
ألا نادت أمامة باحتمال ** لتحزننى فلا بك ما أبالى

وفائدتها توكيد القسم، وقالوا إنها صلة مثلها في {لِئلّا يعْلم أهْلُ الْكِتابِ} وفي قوله:
في بئر لا حور سرى وما شعر

واعترضوا عليه بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله، وأجابوا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض، والاعتراض صحيح، لأنها لم تقع مزيدة إلا في وسط الكلام، ولكن الجواب غير سديد. ألا ترى إلى امرئ القيس كيف زادها في مستهل قصيدته. والوجه أن يقال: هي للنفي. والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدلك عليه قوله تعالى: {فلا أُقْسِمُ بِمواقِعِ النُّجُومِ وإِنّهُ لقسمٌ لوْ تعْلمُون عظِيمٌ} فكأنه بإدخال حرف النفي يقول: إنّ إعظامى له بإقسامى به كلا إعظام، يعنى أنه يستأهل فوق ذلك. وقيل إن (لا) نفى لكلام وردّ له قبل القسم، كأنهم أنكروا البعث فقيل: لا، أى ليس الأمر على ما ذكرتم، ثم قيل: أقسم بيوم القيامة. فإن قلت: قوله تعالى: {فلا وربِّك لا يُؤْمِنُون} والأبيات التي أنشدتها: المقسم عليه فيها منفي، فهلا زعمت أنّ (لا) التي قبل القسم زيدت موطئة النفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف هاهنا منفيا، كقولك {لا أُقْسِمُ بِيوْمِ الْقِيامةِ}، لا تتركون سدى؟
قلت: لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول ماغ، ولكنه لم يقصر. ألا ترى كيف لقى {لا أُقْسِمُ بهذا الْبلدِ} بقوله: {لقدْ خلقْنا الإنسان} وكذلك {فلا أُقْسِمُ بِمواقِعِ النُّجُومِ} بقوله: {إِنّهُ لقرآن كرِيمٌ} وقرئ: {لأقسم}، على أنّ اللام للابتداء. و{أقسم} خبر مبتدإ محذوف، معناه: لأنا أقسم. قالوا: ويعضده أنه في الإمام بغير ألف {بِالنّفْسِ اللّوّامةِ} بالنفس المتقية التي تلوم النفوس فيه أى في يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى أو بالتي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان. وعن الحسن: إن المؤمن لا تراه إلا لائما نفسه، وإنّ الكافر يمضى قدما لا يعاتب نفسه. وقيل: هي التي تتلوّم يومئذ على ترك الازدياد إن كانت محسنة.
وعلى التفريط إن كانت مسيئة. وقيل: هي نفس آدم، لم تزل تتلوم على فعلها الذي خرجت به من الجنة. وجواب القسم ما دل عليه قوله: {أيحسب الإنسان ألّنْ نجْمع عِظامهُ} وهو لتبعثن. وقرأ قتادة: {أن لن نجمع عظامه}، على البناء للمفعول. والمعنى: نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب، وبعد ما سفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض. وقيل إن عدى ابن أبى ربيعة ختن الأخنس بن شريق وهما اللذان كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول فيهما: «اللهم اكفني جارى السوء» قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمره؟ فأخبره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أو من به أو يجمع اللّه العظام، فنزلت {بلى} أوجبت ما بعد النفي وهو الجمع، فكأنه قيل بلى نجمعها. و{قادِرِين} حال من الضمير في {نجمع}، أى: نجمع العظام قادرين على تأليف جميعها وإعادتها إلى التركيب الأول، إلى {أن نسوى بنانه} أى: أصابعه التي هي أطرافه، وآخر ما يتم به خلقه. أو على أن نسوى بنانه ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولا من غير نقصان ولا تفاوت، فكيف بكبار العظام. وقيل: معناه بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوى أصابع يديه ورجليه، أى نجعلها مستوية شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار لا تفرق بينها، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال، والبسط والقبض، والتأتى لما يريد من الحوائج. وقرئ {قادرون}، أى: نحن قادرون، {بلْ يريد} عطف على {أيحسب} فيجوز أن يكون مثله استفهاما، وأن يكون إيجابا على أن يضرب عن مستفهم عنه إلى آخر. أو يضرب عن مستفهم عنه إلى موجب {ليفجر أمامهُ} ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه. وعن سعيد بن جبير رضى اللّه عنه: يقدم الذنب ويؤخر التوبة. يقول: سوف أتوب، سوف أتوب: حتى يأتيه الموت على شرّ أحواله وأسوإ أعماله يسْئلُ سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة في قوله: {أيّان يوْمُ الْقِيامةِ} ونحوه: ويقولون متى هذا الوعد.

.[القيامة: الآيات 7- 15]

{فإِذا برق الْبصرُ (7) وخسف الْقمرُ (8) وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ (9) يقول الإنسان يوْمئِذٍ أيْن الْمفرُّ (10) كلاّ لا وزر (11) إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمُسْتقرُّ (12) يُنبّؤُا الإنسان يوْمئِذٍ بِما قدّم وأخّر (13) بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة (14) ولوْ ألْقى معاذِيرهُ (15)}
{برق الْبصرُ} تحير فزعا، وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره. وقرئ: {برق} من البريق، أى لمع من شدة شخوصه. وقرأ أبو السمال: {بلق} إذا انفتح وانفرج. يقال: بلق الباب وأبلقته وبلقته: فتحته {وخسف الْقمرُ} وذهب ضوؤه، أو ذهب بنفسه. وقرئ: {وخسف} على البناء للمفعول {وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ} حيث يطلعهما اللّه من المغرب. وقيل: وجمعا في ذهاب الضوء وقيل: يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار. وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر، فيكون نار اللّه الكبرى {الْمفرُّ} بالفتح المصدر، وبالكسر: المكان. ويجوز أن يكون مصدرا كالمرجع. وقرئ بهما كلّا ردع عن طلب المفرّ {لا وزر} لا ملجأ، وكل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك {إِلى ربِّك} خاصة {يوْمئِذٍ} مستقرّ العباد، أى استقرارهم، يعنى: أنهم لا يقدرون أن يستقرّوا إلى غيره وينصبوا إليه. أو إلى حكمه ترجع أمور العباد، لا يحكم فيها غيره، كقوله: {لِمنِ الْمُلْكُ الْيوْم} أو {إلى ربك مستقرّهم}، أى: موضع قرارهم من جنة أو نار، أى: مفوض ذلك إلى مشيئته، من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار {بِما قدّم} من عمل عمله وبما {أخّر} منه لم يعمله أو بما قدم من ماله فتصدق به، أو بما أخره فخلفه. وبما قدم من عمل الخير والشر، وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة فعمل بها بعده. وعن مجاهد: بأوّل عمله وآخره. ونحوه: {فينبئهم بما عملوا أحصاه اللّه ونسوه}.
بصِيرة:
حجة بينة وصفت بالبصارة على المجاز، كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله: {فلمّا جاءتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرة} أو عين بصِيرة. والمعنى أنه ينبأ بأعماله وإن لم ينبأ، ففيه ما يجزئ عن الإنباء، لأنه شاهد عليها بما عملت، لأنّ جوارحه تنطق بذلك {يوْم تشْهدُ عليْهِمْ ألْسِنتُهُمْ وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يعْملُون}، {ولوْ ألْقى معاذِيرهُ}
ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها. وعن الضحاك: ولو أرخى ستوره، وقال: المعاذير الستور، واحدها معذار، فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. فإن قلت: أليس قياس المعذرة أن تجمع معاذر لا معاذير؟ قلت: المعاذير ليس بجمع معذرة، إنما هو اسم جمع لها، ونحوه: المناكير في المنكر.

.[القيامة: الآيات 16- 25]

{لا تحرك به لِسانك لِتعْجل به (16) إِنّ عليْنا جمْعهُ وقرآنه (17) فإِذا قرآناهُ فاتّبِعْ قرآنه (18) ثُمّ إِنّ عليْنا بيانهُ (19) كلاّ بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة (20) وتذرُون الْآخِرة (21) وُجُوهٌ يوْمئِذٍ ناضِرةٌ (22) إِلى ربها ناظِرةٌ (23) ووُجُوهٌ يوْمئِذٍ باسِرةٌ (24) تظُنُّ أنْ يُفْعل بها فاقِرةٌ (25)}.
الضمير في {به} للقرآن، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحى نازع جبريل القراءة، ولم يصبر إلى أن يتمها، مسارعة إلى الحفظ وخوفا من أن يتفلت منه، فأمر بأن يستنصت له ملقيا إليه بقلبه وسمعه، حتى يقضى إليه وحيه، ثم يقفيه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه. والمعنى: لا تحرك لسانك بقراءة الوحى ما دام جبريل صلوات اللّه عليه يقرأ {لِتعْجل به} لتأخذه على عجلة، ولئلا يتفلت منك. ثم علل النهى عن العجلة بقوله: {إِنّ عليْنا جمْعهُ} في صدرك وإثبات قراءته في لسانك {فإِذا قرآناهُ} جعل قراءة جبريل قراءته: والقرآن: القراءة {فاتّبِعْ قرآنه} فكن مقفيا له فيه ولا تراسله، وطأ من نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ، فنحن في ضمان تحفيظه {ثُمّ إِنّ عليْنا بيانهُ} إذا أشكل عليك شيء من معانيه، كأنه كان يعجل في الحفظ والسؤال عن المعنى جميعا، كما ترى بعض الحراص على العلم، ونحوه {ولا تعْجلْ بِالقرآن مِنْ قبْلِ أنْ يُقْضى إِليْك وحْيُهُ}، {كلّا} ردع لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة وإنكار لها عليه، وحث على الأناة والتؤدة، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله: {بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة} كأنه قال: بل أنتم يا بنى آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة {وتذرُون الْآخِرة} وقرئ بالياء وهو أبلغ. فإن قلت: كيف اتصل قوله: {لا تحرك به لِسانك} إلى آخره، بذكر القيامة؟ قلت: اتصاله به من جهة هذا للتخلص منه، إلى التوبيخ بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة. الوجه: عبارة عن الجملة. والناضرة: من نضرة النعيم {إِلى ربها ناظِرةٌ} تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول. ألا ترى إلى قوله: {إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمُسْتقرُّ}، {إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمساقُ}، {إِلى اللّهِ تصِيرُ الْأُمُورُ}، {وإِلى اللّهِ الْمصِيرُ}، {وإِليْهِ تُرْجعُون}، {عليْهِ توكّلْتُ وإِليْهِ أُنِيبُ} كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظورا إليه: محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بى، تريد معنى التوقع والرجاء. ومنه قول القائل:
وإذا نظرت إليك من ملك ** والبحر دونك زدتني نعما

وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم، ويأوون إلى مقائلهم. تقول: عيينتى نويظرة إلى اللّه وإليكم، والمعنى: أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه، والباسر: الشديد العبوس، والباسل: أشد منه، ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه {تظُنُّ} تتوقع أن يفعل بها فعل هو في شدّته وفظاعته {فاقِرةٌ} داهية تقصم فقار الظهر، كما توقعت الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير.